من يحمي ظهرك

Book-Cover

 المقدمة

معظم كتب التنمية الذاتية تحدثنا عن أنفسنا، وعن الطرائق التي تساعدنا على أن نتطور، وكثير منها يركز على النجاح بشكل فردي وعلى أنك محور كل شيء، ومن هنا سُمِّيَ هذا النوع من الكتب "تنمية ذاتية". 

وعلى عكس ما اعتدنا تمامًا، نجد كيث فيرازي -مؤلف الكتاب الذي سنتكلم عنه اليوم- يذكرنا أن الإنسان على مدار التاريخ كان ينجو وسط الجماعة والقبيلة، وأننا لم نتجه إلى الفردية إلا في عصرنا الحديث، وأن هذا هو سبب معظم مشكلاتنا، وسبب شعورنا المستمر بالوحدة.

ومن ثم يخبرنا كيف ننجح ونتحسن وسط مجموعة من الناس، وسط أصحابنا وعائلاتنا وزملائنا، ويعرفنا الخطوات العملية التي نقدر بها أن نكوّن دائرة من المقربين الداعمين ولا نصبح وحدنا أبدًا، ومن هذه الدائرة نستمد النجاح والأمان النفسي. 

لا تقم بالأمر بمفردك

يبدأ كيث فيرازي كتابه بقصة حدثت معه عندما كان رئيس قسم التسويق في شركة "ديلويت توشيه"، وقتها حقق نجاحًا كبيرًا مع الشركة، وكان يطمح أن تكبر الشركة أكثر، ولكنه في يوم تفاجأ بفاكس وصل إليه بعد يوم طويل، فيه عرض عمل أفضل بكثير مما هو فيه.

في البداية فرح كيث كأي أحد يصل إليه عرض عمل جيد، ولكنه تذكر بعدها شبكة العلاقات التي كونها في شركة ديلويت، وفكر في أنه أكثر من يعرف عمل التسويق في الشركة، وربما تهبط أسهم الشركة من بعده، والقرار الذي كان واضحًا وسهلًا في البداية بدأ يصبح صعبًا وأخذ حيزًا كبيرًا من تفكير كيث، وفي النهاية وصل إلى الحل المثالي، وهو أنه عرض الموقف بالكامل على زملائه ومديره في العمل، ونصحوه أن يقبل العرض، وقالوا له إن هذا هو الوقت المناسب أن ينتقل إلى مكان يستطيع أن يتطور فيه بالشكل الذي يستحقه!

يحكي كيث قصة جين نيديتش، وهي فتاة أمريكية تُعاني السمنة، جربت أكثر من حِمية وجربت أن تنتظم في الرياضة، ولكنها في كل مرة كانت تفشل وترجع إلى نقطة الصفر.

وفي سن الثامنة والثلاثين جمعت جين أصحابها ذوي الوزن الزائد واتفقت معهم أن ينحفوا معًا، وبالفعل.. شعور أن أحدًا معها مهتم بها ويشاركها، ساعدها على أن تنحف بشكل كبير، ومن هنا وُلِدَت فكرة الـ"Weight Watchers"، ويعد هذا في وقتنا من أكثر البرامج التي تساعد الناس على أن يقللوا أوزانهم، بدأت جين تسوق فكرتها وحولتها إلى عمل، أصبحت تبيع وصفات طبخ ومجلات، وتحدد برامج ومجموعات للتنحيف، وفي النهاية ساعدت ملايين البشر حول العالم، هذا غير أن شركتها حققت مبيعات بأربعة مليارات دولار!

من خلال هاتين القصتين بدأ كيث يلتفت إلى تأثير الناس في حياتنا، ويلاحظ أن وجود الناس المناسبين سبب كافٍ لأن نصبح أشخاصًا ناجحين، وقرر يأخذ القاعدة التي استعملتها جين في برنامج التنحيف الخاص بها وهي "لا تقم بالأمر بمفردك"، ويطبقها على حياته كلها، بعدما بدأ يدرك السلبيات التي يقع فيها في عمله، والمجهود الكبير الذي يبذله مقابل نتائج قليلة بسبب أنه لا يستعين بمن حوله، وهنا قرر كيث أن يخلع قناع رجل الأعمال الذي يعرف كل شيء، ويتواصل مع الناس ليطلب النصيحة، في البداية كان يشعر بالحرج لكنه مع الوقت وجد أن الناس يحبون الحديث وتبادل النصائح، وهو هكذا يختصر على نفسه مسافات طويلة عندما يطلب النصيحة من الناس الذين يتوسم فيهم الخير، فبدلًا من أن يجرب شيئًا جديدًا في العمل ويضيع موارد كبيرة عليها، أصبح قادرًا بكل بساطة أن يسأل ويتعلم.

فوائد العلاقات المصيرية

أطلق كيث على هذا النوع من العلاقات اسم "العلاقات المصيرية"، وقال إن كل واحد منا محتاج إلى دائرة قريبة يثق بها في حياته الشخصية والمهنية، وهذه الدائرة هي التي ستساعده على أن يحقق أربعة أشياء: 

أولها: تحقيق النجاح على المدى الطويل ومن دون انتظار مقابل.

وثانيها: عمل خطة محكمة تساعدنا على تحقيق أهدافنا، وهذه الخطة لم نكن لنضعها وحدنا.

ثالثها: أن العلاقات المصيرية ستساعدنا على تحديد الأشياء التي تعوقنا، وتجعلنا نتقدم ببطء في حياتنا، هذه العلاقات ستجعلنا نرى الصورة بشكل أوضح، وتزيل عثرات كثيرة من أمامنا.

آخرها: أن الأشخاص القريبين منا سيكونون مهتمين بنا وبنجاحنا، وسيرشدوننا دائمًا وينبهوننا عندما نضلّ الطريق أو نفعل شيئًا عكس أهدافنا ومبادئنا.

وعلى الرغم من أنك ربما تشعر أن الأمر معقد ومن الصعب أن يتحقق، وربما تتساءل أي علاقات وأي دائرة سأكونها يا أخضر! وتتذكر أنك تعرف شخصًا واحدًا بصعوبة، دعني أخبرك أن كيث يقول إنه يكفيك ثلاثة أشخاص تثق بهم، ولا تقلق.. لن أتركك تائهًا في بحر الحياة وحدك، سأخبرك الآن كيف تدخل الناس حياتك، وهذا يا صديقي لأن تكوين الدوائر القريبة منا يحدث عندما نقرر، وليس مجرد صدفة ننتظرها تحدث وحدها!

نعم.. لكن كيف نكوّن هذه الدوائر؟ السر يا صديقي في التحلي بأربع عقليات ستساعدنا على أن نقوي روابطنا مع من حولنا، ونكون علاقات مصيرية.

العقليات الأربع.. بناء قاعدة للعلاقات المصيرية

والعقلية الأولى هي الكرم 

ويختلف الكرم من شخص إلى شخص ومن موقف إلى موقف، أحيانًا يكون الكرم عبارة عن تقديم المال وأشياء مادية، وأحيانًا من خلال أشياء معنوية تعزّز الحميمية بيننا نحن البشر، وينصحنا كيث هنا بثلاثة أشياء محددة هي الإنصات، والتعاطف، والرعاية.

ويحكي لنا عن الطبيب النمساوي فيكتور فرانكل الذي خسر زوجته ووالده ووالدته في معسكرات النازية، وعلى الرغم من هذا استطاع أن يجد سلامه النفسي في قدرته على مشاركة الناس من حوله، ولو من خلال تقسيم رغيف العيش بينه وبين المعتقلين.

يحتاج الكرم إلى أن نقف خارج حدود شخصيتنا ونلقي نظرة على أنفسنا من الخارج، لنعرف كيف يمكننا أن نسعد ونساعد من حولنا.

يلفت الكاتب نظرنا أيضًا إلى شيء مهم جدًّا وهو أن تقبّل الكرم والأخذ له أهمية العطاء نفسها، وهذا لأنك عندما تقبل كرم من حولك ومحاولاتهم لدعمك، يتولد لديهم شعور جيد يحسن علاقتكم ويجعل فيها نوعًا من القرب المتبادل.

العقلية الثانية هي الحس المرهف

إن كنت تتعرف على أحد لأول مرة وبدأ يحكي لك عن نجاحه المهني وكم هو محترف ففي الغالب ستنفر منه، ولكن لو أن الشخص نفسه بدأ يحكي لك عن طفولته، أو عن المشكلات التي واجهها في حياته، ففي الغالب ستتعاطف معه، والعلاقة بينكما ستصبح أقوى.

ينصحك كيث في هذا الجزء أن تتحلى بالشجاعة الكافية لإظهار ضعفك ومخاوفك، كل المطلوب منك هو أن تفتح صمامنا العاطفي؛ هذا الانفتاح سيجعلك أقل وحدة، وستكسب تعاطف الناس واحترامهم، وهذا ببساطة لأن كلنا بشر، ومعظم مشكلاتنا ومخاوفنا مشتركة، وعندما يبدأ أحد بالكلام نجد فرصة أن نعترف ونقول له إننا نشاركه ما يشعر به، أو على الأقل إننا قادرون أن نتفهم ما يقوله، من هنا تستطيع أن تحكي للناس عن أحلامك وأهدافك، بعد أن بنيت الأساس والقاعدة التي ستجعلهم يهتمون بكلامك، وتذكر أن لا أحد يبني بيتًا من السقف حتى الأرض، يجب أن يملك أساسًا أولًا.

أما العقلية الثالثة فهي الصدق

لتنفتح على الناس وتكوّن علاقات مصيرية، يجب أن تكون صادقًا في المقام الأول، لأن الصدق هو السلاح السحري الذي سيجعل الناس يثقون بك، أنا لا أنصحك بأن تكون شفافًا تمامًا وساذجًا مع الناس من أول لقاء بينكم، ولكن أن تكون إنسانًا صادقًا، وهذا يظهر في أشياء كأن: 

- تعترف بأخطائك.

- تجعل تفاصيلك واضحة.

- تظهر نياتك.

- تسأل أسئلة محددة وصريحة.

 كل هذه التصرفات ستجعل الناس يحترمونك ويعرفون أنك صادق ولا تتلاعب بهم، وأنك لست غامضًا وكلامك كذلك.

العقلية الرابعة والأخيرة يا صديقي هي المسؤولية

ينصحنا كيث بأن نبحث عن الشخص المناسب الذي سيحاسبنا عندما نمشي في طريق بعيد عما نريد، شخص يكون قريبًا منا يعرف أهدافنا، قادرًا على تذكيرنا دائمًا أننا نريد أن ننقص في الوزن، أو نذاكر محاضرة الكلية، أو حتى نحافظ على مبادئنا، ويجب أن نترك الحرية لهذا الشخص أن يسألنا ويعاتبنا عتابًا حقيقيًّا، لأن الشخص المُحاسب مُهم جدًّا في حياتنا، لدرجة أننا إن لم نجده في العلاقات المصيرية يمكن نجده في الـ"Life Coach" الذي سيأخذ منا أجرًا ليكون الشخص المُحاسب لنا! وكما قال المثل "من لا كبير له فليشترِ كبيرًا"، أي ناصحًا موجهًا.

الخطوات التسعة لبناء علاقات مصيرية

هكذا نكون قد انتهينا من العقليات الأربعة، وبالطبع أنت تظن أنك أصبحت جاهزًا لمواجهة الحياة ومعك الدليل السحري لصناعة دائرة مقربة، لكن دعني أخبرك أنه ما زال أمامنا بعض الوقت، وأن لدينا تسع خطوات ستساعدك على أن تبني علاقاتك المصيرية وتحسينها، وتبني فريق أحلامك كما يسميه كيث، الذي سيكون بمنزلة مستشارين خاصين لك حتى في أعمالك وليس في حياتك الشخصية فقط.

الخطوة الأولى: هي صياغة الأهداف الخاصة بك، وهذا لأن أهدافك هي الأرض الصلبة اللي ستقف عليها، والتي من خلالها ستعرف شكل الدائرة التي تريدها حولك، لكن إن لم تعرف من البداية ماذا تريد فهذه نقطة ضعف كبيرة ستصعّب عليك إيجاد علاقتك المصيرية المناسبة، لذا من المهم أن تفكر في ما تود تحقيقه وشكل حياتك التي تتمناها.. الآن وخلال ثلاث سنين، كما يجب أن تركز على نقاط ضعفك ونقاط قوتك، لأن كل هذا سيجعلك تقترب أكثر من أهدافك.

الخطوة الثانية: هي العثور على العلاقات المصيرية المناسبة، يبدأ الكاتب هذه النقطة بجملة صادمة، وهي أن الثلاثة أشخاص الذين سيشكلون علاقتك المصيرية، في الغالب، ستكوّنهم من خارج دائرتك المقربة الحالية، لذا يجب أن تبذل بعض الجهد لتصل إليهم، أيًّا كانت الطريقة، الجامعة أو العمل أو الإنترنت. 

حسنًا.. وكيف أعرف إن كان هذا الشخص مناسبًا أم لا؟

- أولًا يجب أن تعرف كم هو متأثر بالعقليات الأربعة التي سبق ذكرها، أي مدى كرمه وصدقه ومسؤوليته وكلامه عن مشاعره.

ولن تكتفي بالعقليات الأربعة فقط، ولكنك ستقيم خمس دعائم، هي:

- الالتزام، أي أن يكون شخصًا ملتزمًا تجاه علاقاته.

- الوعي والفهم، فكما يقول كيث، من المهم أن تكنّ الاحترام لهذا الشخص بما فيه الكفاية لترغب في سماع نصحه والاستجابة له.

- التوافق، والفضول، ويتأتّى هذا من تشابه الاهتمامات والتطلعات إلى حد ما.

- التنوع، خصوصًا إن كانت الدائرة التي تكوّنها تشاركك أهدافك المهنية مثلًا، فهذه العقليات المختلفة ستُثري فريقك.

الخطوة الثالثة: وينصحك الكاتب هنا بأن تطيل في العشاء، وليس المقصود أن تظل تأكل حتى صباح اليوم التالي، بل أن تستغل مقابلات العشاء الخاصة بالعمل، أو المقابلات الرسمية، وتطيل فيها وتتكلم مع الناس وتنفتح عليهم بالشكل الذي سينقل العلاقة بينكم من علاقة رسمية إلى علاقة صداقة.

أما الخطوة الرابعة: فهي توسيع دائرة أهدافك، أي لا تكن محدودًا وأنت تفكر في أهدافك، ضع أهدافًا على المدى القصير، والمدى الطويل، بل من المفترض وضع نوعين من الأهداف، وهما أهداف نهائية، وأهداف التعلم، الأهداف النهائية كأن تقلل من وزنك، وأهداف التعلم كأن تتعلم طبخ أطباق صحية، ومن خلال هذين النوعين من الأهداف نلاحظ تقدمًا كبيرًا في حياتنا، يمكن أن نقول إن أهداف التعلم هي المهارات والخطوات التي ستساعدنا على تحقيق الأهداف النهائية.

الخطوة الخامسة: هي عمل دائرة النجاح، وهنا ببساطة تكون دائرة وتقسمها بعدد أهدافك، كالأهداف المهنية، والروحية، والفكرية، والاجتماعية، وتترك لكل قسم مساحة تتناسب مع أهمية الهدف عندك، ومن خلال هذه الدائرة ستعرف ما يجب أن تهتم به أكثر وتعطي له وقتًا واهتمامًا أكثر.

في الخطوة السادسة: يشرح لنا الكاتب أهمية الدخول في نقاشات وجدالات مع الأشخاص القريبين منا، وأن هذا النقاش سيساعدنا على أن نتطور، ومن ثم نرى وجهة نظرنا بشكل مختلف.

الخطوة السابعة: هي أن تحدد نقاط ضعفك، لأنها -كما قلنا- تساعدك على تحديد أهدافك بشكل أفضل، وتؤثر في شكل علاقاتك المصيرية لأنك عندما تفهم نفسك أكثر تصارح الأشخاص الذين تثق بهم بما وصلت إليه، وهم سيقدمون إليك النصح الذي يقدرون عليه بناءً على صراحتك معهم، مما سيساهم إيجابيًّا في تطورك في النهاية.

الخطوة الثامنة: هي الالتزام بالطرائق التي ستساعدنا على التحسن والتطور، أي نتعامل مع الأمر بصفته التزامًا، وليس رفاهية أو شيئًا يمكن أن نفعله أو لا. 

الخطوة التاسعة والأخيرة: هي تمرين بسيط بعنوان "تظاهر به حتى تحققه، ثم حافظ عليه"، وهنا ببساطة تتخيل أنك في المكان الذي تود الوصول إليه، وتتعامل كأنه موجود بالشكل الذي يحفزك ويقربك منه فعلًا، وهذا مجرد تمرين يساعدنا نفسيًّا.

الخاتمة

وهكذا نكون قد أنهينا النقاط الأساسية التي يعرضها الكتاب والتي سيساعدنا تطبيقها على أن نكوّن علاقاتنا المصيرية وستحسن حياتنا، وتساهم في نجاحنا ورؤيتنا للحياة بشكل أفضل.

ويمكن أن نلخص هذه النصائح  في الحديث الشريف الذي يقول: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا".

في الجزء الأخير من الكتاب، يتكلم كيث عن أهمية تحويل النصائح التي ذكرها إلى روتين دائم في حياتنا، وألا تصبح مجرد شيء نتحمس له ثم ننساه، ويذكرنا مجددًا أن الإنسان على مدار التاريخ كان ينجو وسط ناسه وجماعته.

وفي النهاية دعنا نختم بالجملة التي بدأ بها الكتاب، والتي تقول: "يكون الإنسان إنسانًا بوجود بشر آخرين".