شوربة دجاج للروح

Book-Cover

مقدمة

إن قلت لك إننا سنساعدك اليوم لتتخلص من التوتر في حياتك وتحافظ على هدوئك وتعيش في سلام نفسي، ففي الغالب قد تخيلتَ أنك ستلّف الجلباب "الكاستور" على كتفك وتستحضر روح راهب التُّبَّت الأقرع، ومن ثم ستحلق شعرك عند العم "عبده" حتى تصبح أصلع، وبعدها تذهب إلى هضبة التُّبَّت ترعى الماعز وتشرب الشاي بالزبدة، وتقضي ليلك ونهارك في التأمل والتمارين حتى تتعلم أصول الكونج فو، وترجع إلى قريتك لتهزم الشرير وتستعيد حب زوجتك وأطفالك واحترام وتقدير العشيرة كلها.

ولو كان هذا هو مفهومك عن السلام النفسي فأنت لست وحدك يا سيدي، ولو أردت أن تتخلص من التوتر وتستعيد هدوء حياتك وتعيش بإيقاع طبيعي هادئ، فأنت أيضًا لست وحدك يا سيدي.. أنت مَن كَتَبَ جيف براون كتابَه "شوربة دجاج للروح" ليقول لك -أنت وجماعة المتوترين- إن الأمر لا يحتاج إلى أن تسافر إلى التُّبَّت لتتخلص من التوتر، الأمر فقط يحتاج منك إلى بعض التركيز وحلقة من عمك أخضر يلخص لك فيها ما قيل، ويخبرك بالخدع التي لو اتبعتها فستقلل من التوتر وتزيد وقت هدوئك، ويمكن أن تستغل هذا الوقت وتتعلم أيضًا الكونج فو إن أحببت.

نعود الآن إلى شُربة الدجاج قبل أن تبرد..

أنت ألد أعداء نفسك

بداية يقول لك الكاتب إن العيب فيك.. نعم كما سمعت! 

"لِمَ يا سيد أخضر؟ كما قال المثل: "طلبتك يا عبد المعين لتعين وجدتك تقول لي العيب فيك"، إذًا كيف يكون العيب فيَّ؟"

اهدأ يا صديقي! الأمر لا يتعلق بشخصك، بل برؤيتك للأمور فقط، لأنك غير قادر على استيعاب أن العالم أكبر من أن تستطيع أن تغير كل تفصيلة فيه لتناسبك، ويحدث كل شيء كما تتوقعه، ويتصرف كل من حولك كما تتصرف، يجب أن يكون كل شيء مثاليًّا وإن حدث شيء بطريقة مثالية إلا واحد من عشرة فستتكدر ولن تفرح بما أنجزت، على الرغم من أنك أنجزته وبذلت قصارى جهدك فعلًا.. أنت أسوأ عدو لنفسك! ولتتخلص من هذه العداوة يجب أن تتقبل حقيقة أن:

- العالم ليس طوع يديك، تقبّل أنك لست مسؤولًا عنه وحدك، وبناءً عليه شارك مشكلاتك واقبل المساعدة واطلبها، فلو شعرت أنك مضغوط ولا تستطيع أن تنجز كل مهامك، وغير قادر على أن تتحرك من شدة توترك، شارك حملك مع غيرك، استعِن بصاحبك واستشِره وبُح له، هذا سيخفف كثيرًا من العبء الذي تتحمله.

- تتقبل أن المشكلات تحدث وهذا أمر طبيعي، ولو حدثت مشكلة فهي ليست نهاية العالم؛ ستعود أفضل مما سبق.

- الراحة حق أصيل من حقوقك، وأن تقول للناس في وقت راحتك "لأ" هذا حقك ولا شيء يجب أن تشعر بالذنب من أجله.

- حتى لو ظننت أن الخطأ من الآخرين راجع نفسك لتحدد ما تستطيع أن تفعله لتحل المشكلة، لأنك في النهاية طرف فيها.

لو تقبلت هذه الحقائق فستشعر براحة، جرب مثلًا أن تتقبل حالًا أننا لا نملك السيطرة على اللحظة الحالية، وأن ما يفعله الله خير مهما كان، جربت؟ أرأيت؟ كان العالم حملًا تخلصت منه!

فعلت ما تقدر عليه؟ 

"نعم يا سيد أخضر.. نحن لسنا مسؤولين عن كل العالم، لكننا مسؤولون عن أشياء كثيرة أخرى كالعائلة والعمل والمشكلات العاطفية والـ…"

تمهّل يا صديقي.. أعطني فرصة لأكمل كلامي.. نحن اتفقنا أن العالم ليس مسؤوليتنا، لكننا مسؤولون عن أشياء معينة، وهذه الأشياء أحيانًا تكون عارضة أو تحدث بشكل يومي وتسبب لنا التوتر.. لذا سأخبرك بخطوات تساعدك، لكن أولًا يا صديقي يجب أن تتقبل أن التوتر جزء من الحياة، وأنا هنا لا أقصد التوتر الذي يجعلك عاجزًا عن عمل أي شيء ولو حتى أن تستمتع بوقت نوم، لكني أقصد التوتر الطبيعي العادي الذي يدفعنا إلى أن نعمل أكثر.

"حسنًا يا سيدي تقبلنا، أخبرني بالخطوات إذًا!"

- حدد مصادر الضغط في حياتك وما يمكن أن تغيره أو تلغيه بحيث تستمتع بتطوير نفسك، ستقول لي "يا رجل ما كان أحد ليعجز، وإن كنتُ قادرًا على إلغاء هذه الأشياء فهل كنت سأستعين بك يا أخضر؟! ثم إنني بالتأكيد لن أتخلص من أطفالي!"، يا سيد الناس أو يا ستَّ الناس.. لم يقل أحد هذا، لكنكِ يمكن أن تتخلصي من كل الصفحات التي تشعركِ بالتقصير ليل نهار، أو الصفحات الممتلئة بالأخبار السلبية، وتابعي أخضر الذي يخبركِ كيف تسعدين نفسكِ بدلًا منها.

- أضِف المرح إلى عملك، رتب مكتبك وضع عليه كلبًا يهز رأسه، واستخدم كشاكيل محاضرات ملونة، واشترِ قلمًا جافًّا على شكل سبونج بوب، انطلق في المرح وعِش!

- اكتب مشكلاتك على الورق، فما دامت مشكلاتك تأخذ طابعًا ماديًّا مكتوبًا ستشعر أنها تحت السيطرة لأنك -على الرغم من أن المشكلة كان ضخمة جدًّا في دماغك- استطعت أن تصوغها في عدد قليل من الكلمات.

- تخلص من المثالية، وتذكر دائمًا أنك بشر لك طاقة، تقصّر وتخطئ، وتقبّل من نفسك في آخر كل مهمة تنجزها أنك فعلت ما بوسعك. "وإن لم أفعله؟" افعله! "وإن فعلتُه ولم يَكفِ؟" سبق وقلنا لا تكن مثاليًّا! "لكن النتيجة لم تكن مُرضية!"، هنا يا صديقي سأقول لك إن هذه ليست مشكلتك؛ نحن مسؤولون عن السعي لا النتيجة، وإن لم تكن النتيجة في أيدينا فلِمَ نقلق منها؟! ومع ذلك كن مطمنًّا لأن لا مجهود يذهب هباءً، وأن الخير لا يُشترط أن يأتي بالصورة نفسها التي تخيلناها.😉

عادات مضرة بالصحة وتؤدي إلى التوتر

دعني أقل لك إننا اعتدنا فعل أشياء مضرة أحيانًا تكون هي السبب في تراكم المهام علينا وزيادة التوتر وقلة الإنتاجية، مثل:

1- أنك تفعل أشياء كثيرة في الوقت نفسه، "حسنًا هذا سهل لا يحتاج…"، تمهل قليلًا يا عزيزي واسمعني!

أنت اعتدت التوتر وتشتيت نفسك بين المهام، لذا تحتاج في البداية أن تستعد لأعراض الانسحاب التي ستقابلك وأنت تحاول أن تتخلص من هذه العادة، ولتتخلص من أعراض الانسحاب هذه قبل أن تتخلص هي منك، ستحتاج إلى أن تخطو بعض الخطوات: 

- رتب مكتبك ليحفظ مخُّك أماكنَ أشيائك ويذهب إليها مباشرة وقتما تحتاج إليها. 

- وأظن حان الوقت لتنفّذي ما تقوله والدتكِ وتتركي هذا الوغد الذي التصق بيديك تأخذينه معكِ في كل مكان، وأنتِ في المطبخ، وأنتِ في الصالة، وأنتِ ذاهبة إلى النوم، وفي الوقت نفسه تريدين أن تتخلصي من التوتر والقلق اللذين يأتيانكِ في وقت المذاكرة! أنتِ حتى لا تستطيعين أن تأخدي كفايتكِ من النوم بسببه! قومي يا بنت اتركي هذا الوغد واهتمي بصحتك وشبابك اللذين يخطفهما منكِ الهاتف!


وأنا هنا أعلن موقفي وأقول لك إن كلام والدتكِ صحيح، الهاتف يسرق من وقتنا ما لا يقل عن ثلاث ساعات في اليوم بين مواقع التواصل الاجتماعي و"فيديوهات الريلز" التي هي بلا هدف، و"الترِندات" والصداع والقيل والقال، والكلام الكثير الذي يشبه الدوامة والذي يدخلنا في حالة من التشتت والتوتر وعدم الرضا.

فلِمَ كل هذا الهراء؟ حدد التطبيقات والصفحات التي تتابعها ولست محتاجًا إليها ويمكنك أن تلغيها من حياتك، واعرف كيف يمكنك أن تستفيد من الساعات التي تضيّعها مع الهاتف، وإن أحببت أن تتوسع في كيفية التخلص من سيطرة الهاتف على حياتك فستجد ملخصات كتب كثيرة في قسم التكنولوجيا على تطبيق أخضر تساعدك في هذا الأمر.

2- من العادات السلبية أيضًا التي تزيد التوتر، الإغراق في العمل، "يا إلهي! جميلةٌ جملةُ (الإغراق في العمل) هذه.. ما هذه البلاغة يا أخضر؟!"، كونك معتادًا أن يحتال عملُك على وقتك كله دون أن تترك وقتًا لحياتك أو أسرتك أو هواياتك أو حتى أصحابك، فهذا شيء غير صحي تمامًا، ولو هذه هي حالك فأنت تحتاج إلى أن تراجع أسبابك والدوافع التي جعلتك تعمل، لا أحد يعمل لمجرد العمل، وسواء كنت تعمل لمهنتك أو لنفسك أو لعائلتك فأنت تحتاج إلى أن تخصص وقتًا للأسباب التي جعلتك تعمل وإلا سيسرق عملُك صحتَك وحياتَك وأنت لا تشعر.

البيت للراحة أم للعمل

وبغض النظر عن طبيعة عملك فأنت تحتاج إلى أن تركز على تخصيص مكان راحة لك، إذ إن تخصيص وقت لشيء تستمتع به يقلل من مستويات التوتر، والعادي أن هذا المكان يكون البيت، لكن لأن أغلبنا أصبح يعود بعمله إلى البيت ليكمله، فتوتر العمل يلحق بنا في بيتنا، فأضعف الإيمان أن تخصص وقتًا في البيت يكون لك وحدك، تفعّل وضع الطيران الكريم وتجلس مع نفسك أو تذهب للتمشية قليلًا أو ترسم أو تمارس أي هواية تحبها.. أيًّا كان، المهم أن يكون هذا الوقت لك لتفعل التالي:

- تقبل ما حدث لك -قبل أن تقضي وقتك هذا- أيًّا كان، فما حدث لن يتغير، ما دمت لا تملك ما تفعله فتقبل الأمر الواقع.

- تجنب طرائق التفكير الغريبة في أثناء راحتك، كالتفكير في الماضي وقَوْلِ "يا ليتني ما أخطأت هذا الخطأ، بالتأكيد أصبحت شخصًا سيئًا جدًّا الآن!"، لا أنت لست شخصًا سيئًا، أنت شخص أخطأ كأي ابن آدم طبيعي، أو تنجيم المستقبل وتخيُّلِ أسوأ سيناريو يمكن أن يحدث، ومن ثم توتر نفسك بلا هدف، أرجوك.. نحن لم  نخصص وقتًا لمشكلاتك الماضية أو مشكلاتك التي -إن شاء الله- لن تحدث، نحن خصصنا هذا الوقت لك الآن.. الآن فقط!

- إن كان لديك أفكار تُلِحُّ عليك بمجرد أن ترتاح، ولا تستطيع أن تخرجها من ذهنك، يمكن أن تكتبها على الورق بالتفصيل الممل، وبعد أيام ستلاحظ نمط تفكير يتكرر معك، ومع الوقت ستقدر على ملاحظة أفكارك السلبية هذه ومن ثم توقفها قبل أن توترك سلسلة أفكارك مرة أخرى في وقت راحتك.

أفكار يمكن أن تنفذها لوقت راحتك

في ما سبق كنت أنا أقول لك ما يجب ألا تفعله في وقت راحتك، أما الآن فسأقول لك ما يمكن أن تفعله في أوقات راحتك لتقلل من التوتر وتحقق أكبر استفادة وراحة من وقتك الخاص:

- يمكن أن تكتب الأشياء التي تشعر بالامتنان لها، لأننا في أوقات القلق ننسى النعم التي تحيط بنا، لذا اكتب الأشياء التي تمتن لها، وفي كل يوم ستلاحظ هذه الأشياء أكثر، كمنظر جميل رأيته في السماء، أو كلمة جميلة مدحك بها أحدهم في عملك، أو أن الطريق لم يكن مزدحمًا اليوم، تفاصيل صغيرة لكنها تفرق جدًّا في يومك!

 - يمكن أيضًا أن تتأمل الطبيعة، كما تذكر.. لقد قلنا إن الوقت الخاص يمكن أن يكون تمشية، وأنت تتمشى جرب أن تتأمل شجرة، أو قطة تتشمس، أو عصفورة تتنقل بين فروع الشجر، تأمل السلام النفسي الذي تتحرك به مخلوقات الله كما لو أن لا مشكلات في حياتها وأنت ستشعر بعد جولة التأمل هذه بأن الحياة ليست بهذا السوء! وإن لم تكن التمشية متاحة لك فازرع بعض الريحان ليهدئ أعصابك وحياتك.

خاتمة ووصفة تقليل التوتر

وأخيرًا جاء وقت تعلم الكونج فو.. بل أقصد تعلم التأمل، أحضري ورقة وقلمًا واكتبي معي يا ستَّ الكل.. نحتاج إلى مكان هادئ -ويفضل أن يكون منزوع الفوضى البصرية- ومن ثلاث إلى عشر دقائق تجلس فيها أنت والمكان والهواء، ومشروبك المفضل إن توافر، واتباع روتين تنفس هادئ تأخذ فيه نفَسك ببطء وتكتمه قليلًا ثم تخرجه ببطء، والهوايات تضاف حسب الرغبة.

تضاف المقادير السابقة بكل هدوء واستجمام وتركيز في اللحظة الحالية، وبرجاء تجنب إضافة أي منغصات مالحة تضر بوجبة التأمل الشهية كالإفراط في التفكير في أي شيء، فرّغ بالك من الماضي والمستقبل وركز على اللحظة التي أنت فيها فقط.

وطبعًا يمكن أن تدمج وقت تأملك مع الوقت الخاص بك الذي تكلمنا عنه، وأعِدُك أنك لو انتظمت على هذه الوصفة، وخصصت لنفسك وقتًا خاصًّا، وقللت من طرائق تفكيرك السلبية عن طريق أن تلاحظها وتكتبها وأن تغير واحدة منها في كل محاولة، فسيقل توترك تدريجيًّا، وستركز على حياتك، وتتعلم ما تريد بكل بساطة وهدوء حتى تستطيع أن تنظر إلى التوتر وتقول له بكل هدوء: "صحبتكَ السلامة يا سيدي!".