اصنع وقتًا أكثر من المتاح

Book-Cover

مقدمة

في إحدى ساعات الليل المتأخرة، وأنت مندمج مع فيديو كيف تصنع آيفونًا من عصير الجوافة، أدركت فجأة أنك لم تطور ذاتك اليوم:كان لديك الكثير لتفعله، لكنك لا تعرف كيف انتهى اليوم سريعًا هكذا! 

غالبًا لم يعد في الأيام بركة!

هل نحتاج إلى أن نعيش داخل ثقب أسود ليمر الوقت أبطأ؟ أم نحتاج إلى جعل اليوم 48 ساعة مثلًا؟

هل توجد طريقة لقرصنة الوقت وجعل يومنا أطول لننهي كل مهامنا، وفي الوقت المتبقي نصنع المجد ونحل مشكلات العالم؟

المفاجأة أن جايك ناب، وجون زيراتسكي أخذا هذه التساؤلات بجدية وأجابا عنها في كتاب حلقة اليوم بعنوان "اصنع وقتًا أكثر من المتاح.. أن يكون يومك أكثر من 24 ساعة | Make Time.. How to Focus on What Matters Every Day"، وبما أنهما مبرمجان  في شركة جوجل ويوتيوب، فبالإضافة إلى أنهما سيقولان لنا كيف نقرصن الوقت، سيساعداننا أيضًا على عدم الغرق داخل التطبيقات التي تسرق أوقاتنا، والمحافظة على تركيزنا من كل المشتتات المحيطة بنا.

تغيير الإعدادات 

لنتكلم أولًا عن شيئين ضمن شكل حياتنا حاليًّا، أولهما أن تستشعر وجود موضة منتشرة في هذه الفترة بين الناس،كل من حولك مشغول، أنت مشغول وابن خالتك مشغول والعم محمد هذا مشغول، إذًا سنسميها "موضة الانشغال".

 إن وقفت ثانية مع نفسك وسألتها ما الذي يجب عليك فعله، فستعطيك قائمة طويلة بالأشياء التي يجب أن تفعلها، والتي غالبًا ما تكون سببًا في تشكيل ضغط عليك <img>/<img> لكن ستقول لي: "ماذا أفعل؟ هكذا حال الدنيا ولا وقت لديّ وإلا سأتأخر عن بقية الناس!".

 

أما الشيء الثاني المنتشر جدًّا في حياتنا فهو ظاهرة "الإلهاء المستمر".

وهي عبارة عن كم المشتتات ومصادر الإلهاء وآخر الأخبار العاجلة من حولنا، وتجد أغلبها في تطبيقات التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وتويتر وانستجرام، وكلها مع الأسف تتنافس على وقتك، وعلى أن تعتبرها مكافأة عن تعبك من الانشغال، فما يضيرك مثلًا إن حصلت على راحة قصيرة لمدة 4 ساعات مكافأة عن مذاكرة 10 دقائق؟!
لكن طبعًا تطبيق أخضر ليس مثلهم، بل إنه يساعدك على أن تقضي وقتك بين الكتب.^^ 

إذًا فالإعدادات الافتراضية لعصرنا هذا هي أن تكون دائمًا مشغولًا مشتتًا تتصفح التطبيقات المختلفة، وأن يكون كل شيء متراكمًا عليك.

تخيل معي إن استطعنا الخروج من هذه الدوامة وحاولنا أن نبطئ من سرعة حياتنا قليلًا، ووضعنا لأنفسنا إعدادات افتراضية جديدة تتضمن الأشياء المهمة عندنا فقط، وأضفنا إلى جدولنا وقتًا لعقلنا أو لممارسة هواية جديدة أو حتى تلخيص الكورسات التي نحتفظ بها منذ عام 2008.

طبعًا لن نستطيع ذلك إلا بالاعتماد على قوة الإرادة ومقاومة المشتتات، لأنها مصممة أصلًا لتحبسك داخلها، ولن نستطيع أيضًا أن نعيش داخل كهف ونلغي اشتراك الإنترنت، كما أن الحل لن يكون أن نحضّر قائمة ملآنة عن آخرها لنواكب "موضة الانشغال"!

إذًا ماذا سنفعل؟

سنضبط إعداداتنا الافتراضية على نظام جديد اسمه "اصنع الوقت"، وهذا هو النظام الذي استخلصه الكاتبان من قراءات كثيرة ومن تجاربهما الشخصية، كما أنهما جرباه على مجموعات عمل في شركات مختلفة مثل جوجل وslak وأوبر، ويتكون من 4 خطوات فقط، فهيّا نبدأ لنعرف علامَ يحتوي نظام "اصنع الوقت".

دعني اسألك أولًا: ماذا تفعل في بداية يومك العادي أو كيف ترتب ليومك؟

والله يا صاحبي أنا لا أرتب، أنا أستيقظ ثم أعرف ما يجري في اليوم وإلى أين ستأخذنا الحياة وأسير معها. 

حسنًا أنت لست وحدك، نحن كُثْر، بعض أيامنا تمر بهذا الشكل، وفي الحقيقة، ليست الحياة هي التي تأخذنا بل الإعدادات الافتراضية القديمة، فنجد الوقت مَرّ واليوم انتهى، متى بدأ وكيف انتهى؟ لا أحد يعرف، لذا أول خطوة  في  نظام "اصنع الوقت" هي تحديد الأهداف.

تحديد هدف

وهذه المرة سنحدد أهدافنا بطريقة مختلفة، وتعتمد هذه الطريقة على أن تحدد هدفًا واحدًا لليوم، يكون هو الهدف الأساسي الذي ستركز عليه كل طاقتك، وبعد أن تنجزه تتجه إلى بقية الأهداف، وحينها ستشعر بارتياح أكثر لأنك أنجزت أهم شيء في اليوم.

وربما تجد صعوبة في أن تحدد أهم هدف لليوم، لكن لا تقلق، عندنا 3 طرائق يمكن أن تساعدك:

- أول طريقة هي أن تنجز المهمة العاجلة الملحة التي يجب أن تُنجَز اليوم، مثل مهمة معينة في عملك.

- ثاني طريقة هي أن تختار الشيء الذي إن أنجزته فستشعر بالرضا آخر اليوم، وليس شرطًا أن يكون له علاقة بالعمل أو الدراسة، ربما تكون خطوة مؤجلة منذ زمن، كأن تخطو أول خطوة في تعلم البرمجة مثلًا.

- ثالث طريقة هي أن تفعل شيئًا ممتعًا محببًا إلى نفسك، كأن تقرأ كتابًا، أو تخرج مع أصحابك. ربما يقع أحد هنا في فخ "موضة الانشغال" ويقول إن هذه الأهداف تضييع للوقت، والحقيقة أن تضييع الوقت الحقيقي هو أن يكون الوقت فعلًا بلا هدف ليس أكثر.

 

أنصحك الآن بعض النصائح التي ستساعدك على تحقيق هدف اليوم الأساسي والأهداف الأخرى الجانبية:

1- حدد هدفًا يحتاج إلى من 60 حتى 90 دقيقة، فأقل من 60 دقيقة لن يسمح لك بالاندماج معه، وأكثر من 90 دقيقة ربما تفقد تركيزك وحينها خذ راحة.

2- قسم هدفك في اليوم أكثر من جزء وإن كان كبيرًا جدًّا فقسمه على بضعة أيام.

3- اكتب أهدافك سواء في دفتر ملاحظات صغير أو في أي شيء تفضله، وحاول أن تخصص وقتًا محددًا للكتابة كل يوم.

4- رتب أولوياتك، لكن لا تكتبها بطريقة قائمة المهام، فربما تقابلك بعض المشكلات كأن لا تستطيع التفريق بين المهام الصعبة والسهلة، وربما تفقد أهدافك المهمة وسط المهام الكثيرة.

لذا سنغير شكلها قليلًا، ولدينا 3 طرائق مقترحة مثل:

-  أن تصنع قائمة مهام محتملة إلى حين تحويلها إلى أهداف ووضعها في قائمة الأهداف.

- أن تقسم القائمة أربعة أجزاء، جزء للهدف الأساسي الذي ستنجزه، والثاني للهدف الثاني، والثالث لبقية المهمات، والرابع اتركه خاليًا لأي فكرة أو مهمة تطرأ على ذهنك.

- أن تقسم الورقة 3 أعمدة، الأول تكتب فيه الهدف وميعاده، والثاني تكتب فيه ما حدث بالفعل، والثالث لتعديل الخطة أو تحسينها إن احتاج الأمر.

 

التركيز التام

 

حددنا هدفنا والحمد لله..

حان وقت التنفيذ، تخيل أن هدفك اليوم أن تذاكر الفصل الأول من مادةٍ ما، وأخيرًا ستبدأ المذاكرة، حضّرت مكتبك وقلمك وكتبك وكوب الشاي المتين، بسم الله

أردت فجأة وأنت تذاكر  أن تطمئن على العالم، وتعرف ما حدث في الدنيا في هذه الثواني القليلة، ولا مانع من أن ترى كم تفاعلًا حصده منشورك الأخير.

ماذا حدث؟ فقدت تركيزك؟ ضاع الوقت أصلًا؟ أنا آسف!

لذا ثاني خطوة في نظام "اصنع الوقت" هي أن تركز تركيزًا تامًّا وأنت تنجز هدفك، حتى يصبح التركيز من ضمن إعداداتك الافتراضية، هكذا ستنجز المهمة في ساعة بتركيز عالٍ بدلًا من أن تنجزها في 4 ساعات دون تركيز.

نحتاج أيضًا إلى أن ننتبه إلى فجوات الوقت، وهي أشبه بالبالوعة، تأخذ من وقتك دون أن تشعر، فمثًلا النية: ترجمة كلمة إنجليزية، ما حدث: تصفح كل مواقع التواصل الاجتماعي، وربما لم تترجم الكلمة أصلًا، ومع الأسف تضطر إلى استهلاك وقت أكثر غير الذي ضاع، فإعادة تركيزك إلى ما كنت تفعله تقلل من كفاءة الإنجاز بوقت أطول:"

ولو تأملنا الوضع قليلًا فسنجد أن مشكلة عدم القدرة على التركيز بعمق سببها مرتبط بالتكنولوجيا، ومع الأسف، التكنولوجيا تتطور بشكل متسارع وتتطور معها المؤثرات التي تقدمها بطريقة تجعل مقاومتها صعبة جدًّا، بالإضافة إلى أنها تتضمن بعض الخدمات التي ربما لا نتمكن من الاستغناء عنها مثل GPS، والتسجيلات، وتنزيل الكتب بصيغة PDF، وأشياء أخرى كثيرة، ومن الواضح أننا في مأِزق، إذًا ماذا نفعل؟ 

ببساطة يا صديقي سنعيد تشكيل طريقة استهلاكنا للتكنولوجيا بحيث لا تصل إلينا المؤثرات ومصادر الإلهاء أصلًا فلا نحتاج إلى مقاومتها.

وإليك بعض الحيل التي ستساعدك على أن تجعل هاتفك اللامع مكانًا آمنًا:

- قبل أن تفتح أي تطبيق اسأل نفسك 3 أسئلة:

1- لماذا ستستخدمه؟ هل لترفه عن نفسك؟ هل لتضيف قيمة إلى حياتك؟ هل هو أفضل ما سيساعدك على تحقيق هدفك؟ فمثلًا إن احتجت إلى أن تكلم  عائلتك فهل الأفضل أن تتصل بهم أم تكلمهم على فيسبوك؟

2- كم من الوقت سيستغرق هذا الحدثُ؟ سواء في اليوم أو الأسبوع أو الشهر.

3- متى ستستخدم هذا التطبيق؟ يمكن مثلًا أن تجعل ميعاد ردك  على الرسائل آخر اليوم.

ولو وجدت من إجابات الأسئلة أن هذا التطبيق لن يفيدك أو يساعدك، فلا تستخدمه.

- لا تتصفح مواقع التواصل الاجتماعي ولا تتابع الأخبار عندما تصحو من النوم، لأن هذا كافٍ لأن يشتت تركيزك ويغير مزاجك بقية اليوم ويضيع عليك وقتًا كان بإمكانك أن تنتج فيه أكثر.

- ألغِ كل الإشعارات التي تصل إليك، واترك المهم منها مثل الذي يذكرك بمواعيدك.

- احذف البرامج التي لا فائدة لها، وسجل للخروج من بقية التطبيقات.

هكذا نكون قد انتهينا من الخطوة الثانية من نظام "اصنع وقتك" التي كانت تتكلم عن التركيز التام، وسننتقل الآن إلى الخطوة الثالثة.

 تجديد الطاقة 

وهنا نتناول كيفية صناعة الوقت بتجديد الطاقة وتنشيط أنفسنا، ومع الأسف وسط "موضة الانشغال" أحيانًا ننسى الاهتمام بصحتنا الجسدية وأحيانًا نلغيها أساسًا، وفي الحقيقة، إن استطعت أن تجدد طاقتك فستنقذ وقتًا كان سيضيع منك بسبب أنك متعب، خصوصًا أنك عندما تكون مجهدًا تنجرف وراء الإلهاءات أكثر لأن مجهودها أقل، بالإضافة إلى أن النشاط والطاقة ستساعدك أكثر على أن تحافظ على تركيزك.

لا أريدك أن تقلق الآن وتظن أني سأكلمك عن نظام غذائي صارم، وأن الصحو على ألم العضلات أفضل من الصحو على رسالة حب مزيفة، لا، سأعطيك 6 فِكَر بسيطة اجعلها جزءًا من يومك وستدعو لي:

- لتصبح نشيطًا نصيحتي لك هي "تحرك". فقط؟ نعم، يمكنك أن تؤدي تمرينًا بسيطًا في البيت لمدة 20 دقيقة، ويمكن أن تستخدم السلالم بدلًا من المصعد، اذهب في مشوار قريب مشيًا على الأقدام، وهكذا.

- كُل طعامًا صحيًّا مثل السلطة، ولا تعتمد على الوجبات السريعة أو السكر، لأنه يزيد نشاطك قليلًا بعد أن تأكله مباشرة ثم تصاب بهبوط في الطاقة.

- خذ الكافيين في وقت مناسب؟ والوقت المناسب لا يكون عندما تستيقظ من النوم، فمثلًا إن استيقظت في الساعة الخامسة فاشرب أول فنجان بين الساعة 9:30 و10:30 صباحًا، والثاني بين الساعة 1:30 و2:30 ظهرًا، ولا داعي إلى أن تشرب بعد هذا الوقت لأنه سيؤثر في جودة نومك.

- وبخصوص النوم، إن أردت أن تنام أسهل ومن دون أرق، فلا تتعرض لأي ضوء قبل النوم، وابعد عن كل الشاشات مثل شاشة الهاتف، وحاول أن تجعل غرفة النوم مخصصة للنوم فقط، ويفضل ألا تؤدي فيها أي نشاط آخر.

- خصص يومًا إجازة من كل شيء، من مواقع التواصل الاجتماعي ومن أي شيء نمطي، واقضِه في أي مكان طبيعي.

- اقضِ وقتًا حقيقيًّا، مع الأشخاص الذين تحب وجودهم، مثل أهلك أو أحد من أصحابك أو حتى زملائك في العمل.

انتهينا، حتى الآن، من أول 3 خطوات من نظام "اصنع الوقت"، وجاء دور الخطوة الرابعة والأخيرة.

التفكر

التفكر أشبه بعملية تقييم لنفسك في آخر كل يوم، هل استطعت أن تحقق هدفك وحافظت على وقتك أم لا؟ 

والتفكّر نفسه يكون من خلال خطوات التفكير العملي، أولًا ستختار طرائق من التي ذُكِرَت في الخطوات الثلاثة وتجربها، ومن ثم تحدد الطريقة المجدية بالنسبة إليك والطريقة التي لم تفِدك، ثم تكتب تجربتك حتى تصل إلى أنسب حل بالنسبة إليك.

وفي الوقت نفسه حاول ألا ترهق نفسك بالمثالية، ولا تظن أن كل دقيقة من عمرك يجب أن تمر بشكل مثالي، في الواقع نحن نحاول دائمًا ونخطئ وهذا طبيعي.

الخاتمة

وفي النهاية يا صديقي، هكذا نكون قد عرفنا كيف نصنع الوقت عمليًّا لا نظريًّا، بأن نوفر الوقت الضائع منا في العادة، ونركز على الأهداف المهمة فعلًا، وكيف نحافظ على تركيزنا من التشتيت والإلهاء، وكيف نجدد نشاطنا ونحفظ طاقتنا فنوفر وقتًا بجودة أعلى، كما أدركنا أهمية أن نتفكر ونكتب مراجعات لأنفسنا وتقدمنا في آخر كل يوم، وما تزال في الكتاب تفاصيل كثيرة ستفيدك في كل خطوة فيمكنك أن ترجع إليه.

وأخيرًا يا صديقي، ربما تواجه في البداية قليلًا من الصعوبات في تغيير الإعدادات الافتراضية الحالية، أو في أن تنجو من "موضة الانشغال" و"الإلهاء المستمر"، لكن الأمر يحتاج إلى قليل من الصبر والمحاولة والتكرار حتى تصل وتصنع المجد مع كل هؤلاء الذين يصنعونه هناك. ^^

 

لا تنسَ أن تخبرنا في تعليق بالأشياء التي تريد أن تصنع وقتًا لتحققها.