كتاب لا تتوقف عن التدخين

Book-Cover

كتاب لا تتوقف عن التدخين (المؤلف: هاري الدر)

لو أرادتْ دولة ما محاربة التدخين، ما الذي ستفعله؟

ستهتم بنشر برامج إعلانية توضح المخاطر الصحية للتدخين، ولكن في المقابل ستجد المدخّن لا يكترث لذلك، بالرغم من معرفته بكل تلك المخاطر؛ فإنه يستمر بالتدخين.

قد تتخذ الدولة خطوات أخرى لتجعل التدخين أصعب، كأن تحدد أماكن مخصصة للتدخين، وتجعل الرأي العام ينظر للمدخن بنظرة معادية، ولكن مع كل هذا ستجد بأن المدخن لا يكترث ولا يهتم ويستمر بالتدخين!

عندما نتحدث عن التدخين فنحن أمام تناقض واضح، لأنه لا يوجد شيء يمنع المدخن من الإقلاع عن التدخين، وفي الوقت نفسه إن سألناه ما الذي تتمناه، سيجيب: أنْ أقلع عن شرب السجائر.


الإقلاع عن التدخين


لو نظرنا للموضوع بصورة إحصائية فسنجد أن معظم محاولات الإقلاع عن التدخين تستمر لمدة ٤ ٢ ساعة، يوم تقريبًا.

بعد مرور الوقت- اليوم- ثلثا الناس الذين حاولوا التوقف عن التدخين، يعاودون الأمر ويدخنون، ومن تبقى يرجع للتدخين ولكن بعد مدّة من الزمن، ولا ينجح في الإقلاع نهائيًّا سوى ٢ في المئة فقط ممن يحاولون كل سنة!

بالطبع هذه إحصائيات غير مشجعة أبدًا، ولكن لماذا وصلنا لهذه الإحصائية؟ لأن معظم محاولات التوقف تكون تجارب متسرعة بدون علم ولا معرفة.


عملية الإقلاع


أي شخص يريد الإقلاع عن التدخين يحتاج إلى أمرين:

  • معلومات جيدة عن التدخين.

  • ومعلومات جيدة عن نفسه.


حقائق عن التدخين


الإدمان الجسدي

أول أمر تحتاج إليه هو أن تعرف معلومات جيدة عن التدخين.

بعض المدخنين لديهم تصور أن عملية التوقف عن التدخين ستكون صدمة كبيرة جدًّا لا يستطيع أحد تحملها- تقريبًا مثل الحالة التي يعانيها مدمن الهيروين عندما يقلع عن إدمانه- يتعاملون مع إدمان السجائر على أنه مرض مهلك لا أمل في مقاومته؛ لذا على المدخن أن يستسلم له ويرضى بالأمر الواقع.

بكل تأكيد هذا كلام غير صحيح، خروج النيكوتين من الجسم يستمر ثلاثة أيام فقط لا غير! تشعر خلال هذه الأيام ببعض التوتر البسيط، هذا أقصى ما قد يحدث، وأنت كمدخن هذا الأمر ليس غريبًا عنك، بل أنت معتاد عليه وشعرت به ١٠٠ مرة من قبل، هل تتذكر الوقت الذي كان يمضي بدون دخان، لأسباب خارجة عن إرادتك! نفدت منك السجائر في الليل وكل المتاجر مغلقة؟ هل كان الموضوع مأساويًّا؟ لا.

تأثير النيكوتين ضعيف نسبيًّا

النيكوتين ضعيف جدًّا من ناحية الإدمان، وأي مدخن يستطيع أن يستغني عن التدخين لفترات طويلة على الرغم من إدمانه له.

على سبيل المثال:

  • آلاف الناس لا يدخنون لفترات طويلة في أثناء سفرهم.

  • أو عند حضورهم اجتماعات عمل يُمنَع فيها التدخين.

  • أو عند وجودهم في المستشفى لأيام وأسابيع.

وغير ذلك من الأنشطة التي يستغني فيها المدخّنون عن السيجارة، ويستمرون في عيش حياة طبيعية.


حقائق عن نفسك


تبرير ممارسة عادة التدخين

معظم الوقت المدخن يُقدّم أمثلة يراها منطقية ليبرر بها سبب كونه مدخنًا.

يمكن أن يرى بأن هذه العادة تساعده على التركيز، أو تمنحه شعور الراحة وغيرها من الأشياء التي تنقصه، وهو لا يريد أن يفقد هذه الأمور المهمة التي يكسبها من السجائر؛ فلذلك لا يتوافق عن التدخين.

من الناحية المنطقية

لو تتبّعنا معظم المعتقدات والحجج تلك سنجدها مبنية على القصص الشائعة، البعض مثلًا يحكي لك حكاية عن شخص كان يدخن الى أن وصل لسن ٩٥ سنة ومات بسلام، وشخص آخر يقول لك دع الأمور تسير كما يشاء الله، أي أحد معرّض لأن يحدث له حادث ما ويموت في أي وقت!

هنا نقف أمام فقاعة كبيرة من الخداع النفسي!

المدخن يستمر في العيش داخل هذه الفقاعة الى أن يفهم حقيقة ما يجري، ويحاول التغيير وبعد أن يحدث ذلك نجده يعترف من تلقاء نفسه بالخداع الذي كان يمارسه على نفسه.

دعونا نرى الحجج المشهورة، ونحاول فهمها واحدة تلو الأخرى!

حجة الملل

أول حُجة هي الملل. بعض المدخنين يدّعون أن التدخين يساعدهم بألا يشعروا بالملل، طبعًا هذا تفكير غير منطقي! أي شخص يفكر بصورة منطقية، سيضع المكاسب في جهة والخسائر في جهة ثانية، وسيرى بأنها صفقة خاسرة.

مع قليل من التفكير ستجد الكثير من البدائل المفيدة أو على الأقل غير الضارة، التي ستبعد عنك الملل غير تناول السموم التي توصلك إلى أمراض قاتلة.

حجة التركيز

الحجة الثانية هي التركيز، فيقول لك مثلًا: أنا أرغب في الإقلاع عن التدخين ولكنني أحتاج إلى عملي، وعملي يحتاج أن أركز به بشكل كبير، ولكي أستطيع أن أركز أحتاج أن أدخن، ولكن هل التدخين يساعد حقًّا على التركيز مثلما يعتقد هذا الشخص؟

– لا.

أعراض انسحاب النيكوتين من الجسم والتي تبدأ بعد الانتهاء من تدخين سيجارة بفترة قصيرة، تبعث نوعًا من الإحساس بالاضطراب والانفعال وتشتت الفكر.

هذه الأحاسيس هي ما تمنع المدخن من التركيز، وعندما يبدأ بتدخين سيجارة جديدة، تزول هذه الأحاسيس تدريجيًّا.

أي إن السجائر فعلًا هدأت من أعصاب المدخن مؤقتًا، وذلك أوصله لاستنتاج أن التدخين قد ساعده على التركيز، ولكن حقيقة الأمر أن التدخين يجعل التركيز أصعب وليس أسهل.

لأنه هنا يحتاج إلى مجهود وعامل خارجي (هو السيجارة) فقط ليستعيد المستوى الطبيعي من التركيز الذي يتمتع به غير المدخن بدون أي مجهود.

ولو نظرنا للجانب الفسيولوجي، فسنجده أيضًا غير داعم لحجة المساعدة على التركيز؛ لأن التدخين يقلل من وصول الأكسجين للمخ وهذا بدوره يقلل من القدرة على التركيز.

حجة الشعور بالسعادة

الحجة الثالثة هي الشعور بالسعادة، ستجد المدخن يخبرك بأنه يدخن لأن السجائر تجلب له السعادة. بالفعل معظم المدخنين يشعرون بالارتياح عند التدخين، ولكن من المستحيل أن يتمتعوا بالشعور هذا كما كانوا يتمتعون به قبل التدخين أو كما يتمتع به غير المدخن.

سأخبرك كيف!

– غير المدخن يشعر بالارتياح مثلًا بعد تناوله وجبة طعام شهية، أما المدخن بعد تناوله طبقًا شهيًّا، فستكون لديه رغبة بأن يقوم بأمر ما.

الأكل الجيد والأصدقاء والأشياء السارة المحيطة بالمدخن كلها غير كافية، ويحتاج في كل وقت أن يدخن سيجارة حتى يحس بالحالة الجيدة نفسها التي يشعر بها أصحابه، ولأن هناك تزامنًا بين لحظات الشعور بالسعادة والسيجارة التي دخنها بعد الأكل، سينظر للسيجارة على أنها سبب الإحساس بالسعادة وليس سبب عدم استمتاعه بالأساس، ولن يلومها أبدًا.

وحتى لو نظرنا للجانب الفسيولوجي أيضًا فهو لا يدعم هذه الحجة. النيكوتين كمادة كيميائية ليست مادة مهدئة.

حجة الاسترخاء – الضغوط النفسية

الحجة الرابعة التي يتبناها المدخن هي الراحة، فيقول لك مثلًا: التدخين يساعدني على التخلص من الضغوط الحياتية ولن أستطيع التوقف عنه؛ لأنني سأشعر عندها بالغضب، وسأفقد أعصابي لأتفه الأسباب.

أعراض انسحاب النيكوتين من الجسم تشبه الأعراض المرتبطة بالضغوط النفسية العادية التي نمرّ بها من وقت لآخر، وهذا هو الضغط النفسي الذي يرى المدخن أن السيجارة خلصته منه؛ أي إن أعراض الانسحاب سببت له إحساسًا بالاستياء، وعندما دخّن سيجارة جديدة شعر بالراحة، وطبعًا الراحة تلك مؤقتة سيحتاج إلى واحدة جديدة بعد فترة لأنه سيتولّد ضغط ثانٍ وهكذا!

هنا السيجارة فعلًا خففت الضغط النفسي، ولكن الضغط النفسي حدث بسبب السيجارة نفسها.

التدخين نفسه لا يخلصنا من ضغوط الحياة، هو أصلًا يضع المزيد من الضغوط الإضافية عليها، فيسبب مثلًا:

  • الإحساس بالذنب.

  • عدم الاعتداد بالنفس.

  • الإحساس بالعجز.


الخسارة الحقيقية


السيجارة لا تحلّ لك مشكلاتك، بل على العكس تزيدها، لن أخبرك عن الأمراض التي يسببها التدخين لأنك تعرفها، ولكن يكفي بأن المدخن لا يتمتع مثل بقية الناس متعة مشاهدة فيلم مثلًا أو الحديث مع الأصدقاء بدون تدخين سيجارة – الناس كلها يمكنها أن تستمتع بالتفاصيل تلك ولكن هو يحتاج أن يدخن معها وإن لم يفعل، فيشعر بأن هناك أمرًا ما ينقصه.

التذوق

وإضافة لذلك فالمدخن يفقد أحاسيس أساسية، كالتذوق! - متعة الاستمتاع بالطعام- إن التدخين يحرمك منها بصورة تدريجية وبدون أن تنتبه لذلك.


سبب اللجوء للتدخين


اجلس مع نفسك وفكر في كل هذه التفاصيل، وفكر في السبب والاحتياج الذي دفعك لتبدأ التدخين- هل هو منطقي- وما زال مفيدًا!

السيجارة طعمها سيئ، لذلك التدخين في البداية يحتاج إلى عزم وتصميم كي تجبر نفسك للتعود عليه، فبالتأكيد كان يوجد خلفها احتياج قوي جعلك تدخن من البداية.

معظم المدخنين بدؤوا بسبب تأثير الأصدقاء، خوفهم من مضايقة صديق أو خسارة صداقته، أو لأنهم يريدون جذب انتباه شخص ما، أو تكون البداية، استجابة للإعلام الذي يصور التدخين على أنه رجولة مثلًا.

يمكن أن يكون التدخين فعلًا قد أشبع احتياجك سابقًا، وكان مفيدًا في وقتها، ولكن هل الاحتياج، أو الاعتقاد لا يزال موجودًا؟ هل تحتاج إليه؟ غالبًا الجواب سيكون لا!


الدافع


حسنًا بعد هذا الكلام! تريد أن تبدأ، لا تعرف من أين تبدأ!

ابدأ من الدافع، الدافع هو العامل الوحيد المهم في عملية الإقلاع عن التدخين، ونادرًا ما ينجح أي مدخن من أن يتوقف على الأقل لفترة طويلة بدون وجود دافع، سبب ظاهر قوي يمنعه من التدخين

ابحث عن هذا الدافع في ظروفك المحيطة ودائمًا اجعله أمام ناظريك.

  • ربما يكون الدافع هو الخوف من المرض.

  • ويمكن أن يكون تكاليف شراء السجائر.

  • وأيضًا كلما تخيلت الفوائد والأشياء السارة التي ستحصل عليها كشخص غير مدخن زودت قوة دافعك!


نصيحة


آخر شيء أريدك أن تفعله، أبقِ السجائر بعيدة عنك دائمًا، ابتعد عن الأشخاص الذين يذكرونك بالتدخين، وابتعد عن الأدوات التي كنت تستخدمها مع التدخين، كمطفأة السجائر والولاعة وغيرها، إذ كلما كان هذان الاثنان بعيدين عن عينيك كانت فرصة تراجعك وضعفك أقل.

أيضًا لو أقلعت عن السجائر منذ فترة إياك أن تقول سأجرب مرة واحدة ولن أتأثر؛ إذ إن أغلب المدخنين الذين فشلوا في الإقلاع عن التدخين كان سبب فشلهم هو سيجارة واحدة فقط!