كتاب فن التفاوض

Book-Cover

كتاب فن التفاوض (المؤلف: وليم يورى)

تسير "منى" مع طفلتها في السوق، وعندما ترى الطفلة لعبة تعجبها وتطلب منها أن تشتريها لها، أمها ستقول لا! "ستخربينها كما فعلت مع ألعابك القديمة"، ستحاول الطفلة إقناع أمها بكل الطرق، "منى" ترد: لا! أنت لديك الكثير من الألعاب.. بالرغم من رفض "منى" للطلب؛ فإن ابنتها دخلت معها في جدال وبدأت بالتفاوض معها!

التفاوض ليس مجرد عملية يجريها رجال أعمال يجلسون حول طاولة. التفاوض هو نشاط يومي نقوم به جميعنا من دون أن نشعر، كما رأينا مع "منى" وابنتها فقد كانت تلك عملية تفاوض.

الحياة عبارة عن سلسلة من التفاوضات، معظم القرارات التي تأخذها في حياتك تستلزم وجود طرف ثانٍ، وتستلزم وجود اتفاق بينك وبينه، وكي تصلا إلى هذا الاتفاق يلزمكما الدخول في مفاوضات، ربما تجد أن الطرف الآخر غير متعاون صلب عنيد، تنتظر منه كلمة نعم، ولكن الإجابة تكون بلا! ممكن أن يكون شريكًا عصبيًّا. ابنًا لا يحتمل، رئيسًا متصلبًا عنيدًا.

لا تنفعل: اذهب إلى الشرفة

التفاوض والتغلب على مشاعرك في أثناء النقاش

بدأت "منّة" عملًا جديدًا، وعملها يتطلب أن تتقاسم المهام مع زميلتها، هنا تحصل عملية تفاوض أو لنطلق عليها حاليًّا عملية تفاهم. "منّة" ستبدأ العمل بحسن نية ولكن عند يبدأ توزيع المهام الفعلي، ستجد بأن زميلتها لا تملك أدنى مسؤولية تجاه التوزيع بالعدل هي زميلة غبية وعنيدة، وعندما تعترض "منّة" على هذا الظلم ستردّ عليها بكل برود وتستفزها وهذا سيؤدي بمنّة إلى الانفعال.

أهم مشكلة ممكن أن تواجهك في أثناء التفاوض موجودة عندك أنت وليست عند الطرف الآخر! وتحديدًا هي ردّة فعلك. من الطبيعي أنه إذا هاجم شخصٌ شخصًا آخر فسوف يرّد الثاني على الهجوم، أليس كذلك؟ لكن لو أنت سترّد على الهجوم، وهو سيرّد على ردّك، وأنت تردّ على ردّه الأخير، وستدخلان في حلقة مفرغة ليس لها أيّ مخرج.

لو تفاوضت وأنت منفعل أو غضبان ستضيع الحقائق في وسط المشكلة والمشادّة الحاصلة، وستتكلم- غالبًا- بطريقة غير محسوبة، وفي النهاية لن تكون النتيجة في صالحك.

عندما تكون منفعلًا أو غضبان امنع نفسك من الخطأ، لكي تتفاوض بعقلانية لا تتفاوض في حالة الغضب والانفعال وإن وجدت نفسك تقوم بذلك انسحب فورًا!

من الطبيعي أن تتعرض في أثناء المفاوضات للإحباط، الخوف أو الغضب. عندما تبدأ أي من تلك المشاعر بالتسلل إليك، لا تفتح فمك! اخرج وخذ قسطًا من الراحة، تخيل نفسك في مسرحية وأنت الممثل، انزل من على خشبة المسرح وشاهد نفسك من كراسي المشاهدين. إياك أن تنفعل، أعط نفسك وقتًا للراحة.

اذهب الى الشرفة وتنفس بعض الهواء النقي

من الجدير بالذكر أن معظم المفاوضات في الحياة تنتهي لأن طرفًا ما شعر بالتعب ونفد صبره، سيقبل بأي عرض من الطرف الآخر لكي ينتهي الجدال. إذا استطعت الصمود أكثر والبقاء على طاولة المفاوضات لفترة أطول سيكون ذلك نقطة قوة لصالحك.

لا تجادل: اخط إلى جانبهم

التغلب على مشاعر العداء

في أثناء النقاش؛ شخصان يتحدثان عن قضية إنسانية معينة، أحدهما يتحدث بصورة منطقية مبنيّة على الأدلة، الآخر موقفه مبنيّ على الكذب والتلفيق. الأول سيشعر بالاستفزاز ويقول: أنت شخص غبي! لا تفقه شيئًا، أريد دليلًا واحدًا على صحة كلامك. حسنًا! من حقِّك أن تطلب دليلًا ولكن ليس بهذه الطريقة.

لا تتعامل أبدًا مع الناس على أنهم يحكمون المنطق أو بأنك ستتغلب عليهم بالحجة وتكسب الموقف. الناس عبارة عن كتل من المشاعر تمشي على الأرض، الموقف الذي تراه الآن ينبع من مشاعر وخلفه يوجد (غضب، عداوة، خوف، عدم ثقة). لكي تتغلب على مشاعر الطرف الآخر وتجعله يستمع إليك، مهم جدًّا أن تظهر له الاحترام أولًا، مهما حاول استفزازك، لا تتحداه.

لتتمكن من تبديل المشاعر العدائية لديه وتستطيع تحويله لحليف مقتنع بوجهة نظرك، يجب أن تكون مستمعًا جيدًا، تعطي كلامه كل اهتمامك ولا تحاول استفزازه وتحدّيه.

انزع السلاح منه

بأن تنقل نفسك من أمامه إلى جانبه، فتوجه له رسالة مضمونها: لماذا تحاربني! أنا معك في المركب نفسه. هو لن يفهمك أو يستمع لك أو يكون حليفًا لك يتبنى وجهة نظرك إلا لو شعر أنك صديق يثق به، انصحه، ساعده يسمعك بأن: (تقف بجانبه وتظهر تعاطفك مع فكرته)، قل له نعم، كي تقلل التوتر، راقب الكلام الذي تقوله، اقبل وجهة نظره وحاول ألا تقول "لا"، كلمة "نعم" تخلق مناخًا أفضل للتفاوض وجوًا من الاتفاق. الاعتراف بوجهه نظره؛ لا يعني الموافقة، أنت تعترف بموقفه نفسه، وتخبره بأنك تفهم ما يقوله وليس بأنك توافق على وجهة نظره. 

لا ترفض: أعد الصياغة

عندما تحاول أن تكون لطيفًا مع خصمك في الجدال ستكون ردّة فعله سلبية؛ لأنه لا يتوقع تصرفك بهذه الطريقة، سيحاول أن يستفزك لكي تكون في مواجهة معه.

أعد صياغة الهجوم

فإن حاول استفزازك بصورة شخصية لفكرة تتجادلان حولها واستخف بها، حوّل الهجوم من هجوم عليك وعلى أفكارك لهجوم على المشكلة، بدلًا من أنا وأنت استخدم نحن!

إن هاجمته سيحس بالراحة، أما تصرّفك بهذه الطريقة سيجعله يشعر ببعض تأنيب الضمير. خذ مواقفه والتف عليها وكأنك تقول له: ساعدني كي أفهم لماذا تريد هذا الموقف؟ اسأل وكأنك تقف في صفّه وترغب أن تتعلم وكأنكما تفكران في حل المشكلة سويًّا بغض النظر عن كيفية تواصل الطرف الآخر معك، حتى إن استخدم هجمات شخصية تجاهك أو أنه استخفّ بمصالحك.

كثير منَّا يدخل التفاوض وهو رافض وجهّة النظر الثانية، عليك من البداية إظهار الاحترام وقبول وجهة نظر خصمك في الجدال، أعد صياغتها، هاجمه بصورة غير مباشرة، فرّغ رأيه من معناه، لا تحجزه في ركن وكأنه لا يملك أي فرصة للانسحاب، وكي تغيّر اللعبة غيّر الإطار.

استفسر منه

لماذا يتبنّى وجهة النظر تلك، اطرح عليه أسئلة كحل للمشكلة، اسأل بلماذا؟ لماذا لا؟ ماذا سيحدث لو فعلنا كذا؟ ما رأيك أنت؟ ما نصيحتك لي؟ هل هذا الحكم عادل؟ وبعد كل سؤال من هذه الأسئلة استخدم الصمت.

أعد صياغة ما يقوله وكأنه كلام إيجابي وكن إيجابيًّا معه في الكلام، أعد صياغة قوله أنت وأنا بنحن، بذلك ستبني نقطة ارتكاز معناها بأننا نبحث عن حل للمشكلة معًا، لو اكتشفت بأنه يكذب لا تحاول إحراجه وتواجهه بل حاول أن تجاريه في حديثه، لا تدقق ودعه لا يشعر بأنك تراه كشخص كاذب. إذا وجدته متمسكًا برأيه ولا يريد أن يغيره عندها فرّغ كلامه من معناه واسحبه لمعانٍ مختلفة، بنفس الكلام جرب إعادة صياغة كلامه فلو كان إسلاميًّا أو ليبراليًّا أو أيًّا كان استخدم نفس كلامه ومبادئه كي يقتنع بما تقوله.

خلف موقف الرفض هناك مصلحة ما

اسأل لتعرف مصالح الشخص الحقيقية وراء رفضه. اسأله أسئلة تساعد على الحل اعرف الدافع الحقيقي من كلامه. استخدم الصمت كحليف، لا تجب مباشرة عن عرضه دع لغة جسدك توضّح أنك غير راضٍ، سيشعر حينها بعدم الراحة، ومن الممكن أن يأتي باقتراح آخر كي يملأ الصمت. الناس يكرهون الصمت في المواقف الصعبة وفي لحظات التوتر، ولا يشعرون بالراحة، فمثلًا عندما يجيبك الشخص الذي تتفاوض معه لا ترد عليه بأي كلمة بل انظر في عينيه ستجده يكمل الكلام وربما يقدم تنازلات من تلقاء نفسه. عندما تطرح سؤالًا وتجد بأن إجابته غير كافية، اصمت قليلًا، سيكمل الحديث ويعطيك معلومات جيدة لك، بالرغم من أنك لم تقل شيئًا إلا أنك تختبر اختياراته للتسوية. ربما يعطيك أكثر مما تطمح!

لا تضغط: ابنِ لهم جسرًا من الذهب

العقبات التي تواجهك في أثناء النقاش تمنعك من الوصول لحل 

لو فعلت كل شيء أخبرتك عنه ولكن الشخص الآخر لا يزال متشبثًا برأيه وعنيدًا جدًّا! شخص يقف في منتصف الطريق وحاولت دفعه، ولكنّه لا يريد التحرك، ما الأسباب وراء تصرّفه؟

عندما تدفعه سيقاومك لخمسة أسباب:

  • ليست فكرته.
  • هناك مصالح مستترة.
  • الفكرة التي طرحتها لم تحققها وهو لم يخبرك عنها.
  • لا يريد أن يُحرج ويشعر بالهزيمة.
  • وأنه قد تراجع عن كلامه، بعد أن أخذ قرارًا متسرعًا ويشعر حاليًّا بالندم.

ابنِ له جسرًا ودع له حرية العبور.

لا تعطه حلًّا جاهزًا، بل ابدأ معه من البداية وأشركه في الاختيار. تعرّف على كل مصالحه واستخدمها كمغريات ودع له فرصة اختيار البديل. كي تحقق المصالح التي لم يفصح عنها، شاركه معك في إيجاد الحل.

ليست فكرته! شاركه معك في إيجاد الحل

لا تخبره عن الأشياء الواجب عليه فعلها؟ ما أفضل حل وأفضل طريقة كي يتصرّف بها. بل قدم له أكثر من اقتراح واجعله يختار بنفسه! لا تعرض عليه رأيك فقط، بل أضف عليه رأيًا آخر أكثر قساوة وخيّره أحدهما. إذا أصر بعد هذا فلا بدَّ أن يكون هنالك مصالح مستترة غير محققة، خُذ وقتك وحاول تفهّم وجهة نظره ومنظورهم للمشكلة، وتفهّم بأنه لا يرغب أن يحس بالإحراج وأن يفقد ماء وجهه.

لا تظهر بأن ما تقوله هو اقتراحك أو أنه أمر مفروض عليه. راعِ احتياجات الإنسان الأساسية كالاعتراف بوجوده ورأيه، احفظ له كرامته وغروره الشخصي. يمكن أن تستخدم شخصًا ثالثًا كي يعرض الاقتراحات، طرفًا محايدًا مثلًا، لو أن الاقتراح مرفوض لأنك أنت من جئت به، أدخِل طرفًا خارجيًّا ودعه يقدم اقتراحك على أنه منه.

لا تصعّد الموقف: استخدم قوتك لتعلمهم

رجل يحاول شراء بضاعة ما وفي آخر الحديث قال لصاحب المحل: "إذا لم تخصم لي من السعر سوف أذهب وأشتري من مكان آخر".. وكانت المفاجأة بأن صاحب البضاعة تراجع عن عرضه ورفض بعد أن كان قد بدأ يلين ويبدي نيّة في تخفيض السعر.

من المؤكد أنك قد تحتاج إلى التهديد في التفاوض في بعض الأحيان، لكن هدّد بلباقة وأدب.

المشكلة الرابعة، هي الغطرسة والجهل. التهديد والإجبار سيؤديان لنتيجة عكسيّة ويكلّفان معارك مزعجة. لا تستخدم القوة للتصعيد، استخدمها فقط لإظهار التكلفة في حال الرفض. 

هناك جزء من الناس مقتنع بأن الانتصار في التفاوض معناه بأن يخضع الطرف الآخر جاثيًا على ركبتيه، معترفًا له بالهزيمة. هذا النوع من الناس يعتبر التفاوض عملية فيها مهزوم ومنتصر، فتراه يهدد ويخوّف الشخص الآخر بأنه سيفعل كذا وكذا لو لم ينفذ مطالبه! لا تحشر الطرف الآخر في زاوية وتعامله بذلك الأسلوب لأن القضية ستصبح بمنظوره حياة أو موت وسيحارب ضدّك لآخر رمق.

إذا كان موقف الطرف الآخر أضعف من موقفك ورفض عرضك لمجرد العناد وحوّل الموضوع لشخصنة، أظهر له أنه لديك بدائل، أوراق ضغط عليه، استخدم القوة للتعليم وليس للسيطرة.

لو كان شخصًا متغطرسًا ومغرورًا! وبدأ باستعراض عضلاته، وكان باستطاعتك إيذاؤه، لا تهدده بل خوّفه فقط! وضّح له لو أن هذه المفاوضات فشلت فكيف ستؤذيه وتضره هذه النتيجة، عرّفه العواقب حذّره من غير تهديد، هاجم بلباقة وأدب. وإن كان لديك بديل أعلمه بذلك بدون توضيح، اترك الأمر مبهمًا بعض الشيء بحيث يشعر الطرف الآن بأنه لديك الكثير في جعبتك. الهدف هو أن توصل له فكرة أن الاتفاقية أفضل خياراته.

أعطه خيارين ودعه يختار أحدهما بنفسه، بحيث يشعر بأنه أخذ القرار بنفسه، لا تجعل الخيارات تظهره كشخص مهزوم، احفظ له ماء وجهه.